ديوان الشاعر الكبير الراحل علي بن لهطل المحثوثي
شمسان بوست / كتب – سعيد المحثوثي
أتشرف بجمع وتنقيح ديوان شاعر كبير مشهود ببروز القريحة، وجودة القصيدة وقوة حضورها.. شاعر الوطن الكبير جدي علي بن سعيد لهطل المحثوثي، المنار البارز لكل متابع ومنتمي للوسط الثقافي الشعبي في محافظة أبين.. مدنها وقراها.
إن هذا العمل أعده بديلا لي عن رؤيته والجلوس معه والاستماع إليه، وهو الذي رحل عن دنيانا وأنا طفل لم أكمل عامي الأول.. كان رحيله رحمه الله منذ خمس وعشرين عامًا، في أواسط التسعينيات.
لقد عاش رحمه الله شاعرًا له صولته وجولته وحضوره اللافت والمتفوق على غيره، وربما أستطيع القول أنه لم يكن لجدي من يوازيه في زمانه ذاك، وهو الذي يكتب القصيدة بأبياتها الطوال في لحظة واحدة.
لقد كان رحمه الله شاعر حكمة وقيم ومبادئ، والكل يعرف مكانته ومنزلته، فترى من حوله ومن يحب الشعر يتتبع ماذا قال بن لهطل وماذا كان جديده في كذا وكذا…
ولقد سارت بقصائد جدي الركبان، وتناقلتها الأجيال بعد الأجيال وفيها من الحماسة والمروءة الكثير كما كانت بعض قصائده مجتمعية بين صفاء وعفوية، ولا ننسى قصيدته الرائعة، ذائعة الصيت التي يقول فيها:
يا رواحل علي ماشي بكنّه لبن
لا تحنّين لما الناس تسمع بكنّه
لا تحنّين والما والشجر جنبكن
ماشي بكن جوع ملّا فقد ذواذكنّه
ربما لا يعرف الكثير ما الذي قصده شاعرنا الكبير بذلك، إذن دعوني أسرد لكم… تلك المقطوعة الشعرية الصغيرة هي صوت المشاعر والأحاسيس، والشاعر خير من يعرض أحاسيسه ومشاعره.. هي حوار بريء موجّه من شاعرنا الراحل لزوجتيه جداتي الكريمات.. ولما كانت هذه الملحمة القصيرة مليئة بالوجدان والأحاسيس طارت بها الأفواه وتلقفتها الآذان، وهناك من فسرها سياسيًا، وهناك من لا يعرف أصلها وقصتها وربما لا يدري من قائلها ومتى قيلت ولماذا… لكن شاعر النخعين الكبير عوض بن مسود رحمه الله يرد على ذلك، ويثبت ذلك الشعر لجدي ويقر بتميزه عمن سواه، حين قال في معارضة لتلك المقطوعة الشعرية الجميلة:
رواحل علي تستاهلين الشرف
ذواذكنه بطل كابر قرونه مجله
ياعد الخصم واصبح عند راسه أبش
ماهو كما دي يبيعوا خوتهم بالأدله
لقد كان بن لهطل واحد من نوادر الشعراء وأصحاب القدم العالي البارز في وسط شعبي صاخب مليء بالشعراء والمبدعين.
ومع أشعاره وقوة بيانه الشعبي فقد كان جدي رحمه الله وجيهًا كبيرًا من أعلام قبيلة المحاثيث وبطون آل بالليل، بل وقبائل آل فضل بأجمعها.
ودائمًا ما كان من أهل الحل في قبيلة المحاثيث، وصاحب الرؤية السديدة والقول الفصيح، وهي نتاج لمن تربى على القيم الأصيلة التي تمجد الإباء وتدعو للمروءة، وتعلي من صاحب الشكيمة والأصالة.
إنني أسرد كل ذلك، وأنا لم أجلس معه ولم أحاوره أو أسمع منه، ولكن ما سمعت عنه من غيره كفاني لكتابة كل تلك الذكرى.
ولعل أبرز وأجمل ما ختم به شاعر الوطن الكبير جدي علي بن سعيد رحمه الله هي آخر ما قال قبل صعوده الطائرة متجهًا إلى المملكة الأردنية الهاشمية للعلاج:
عزمنا بانسافر في رعاية ربنا
من الألم لاعاد شي دحقه لنا جينا
ولا الحاجة قضيّت ربنا يغفر لنا
يغفر خطايانا ودي بيداتنا سينا
إنها المناجاة وطلب المغفرة في أبهى صورها وتجلياتها، وقد قضى الباري عز وجل حاجته ومات جدي رحمه الله في مرضه ذلك.. وحين عادوا به من الأردن إلى دياره وبلدته منطقة لبو الأبية كان لا يزال حيًا ولكن لا يتحرك ولا ينطق… وصل الجسد الكبير إلى منزله وتوفاه الباري عز وجل هناك.. تقبله الله.
إنها شيء من الذكريات والجمال نسردها عن شاعرنا الكبير، ونجمع كل ما سمعنا من روائعه وأشعاره في عملنا، نقدم من خلال هذا العمل ما نراه شيئًا من التكريم لهذا الشاعر الكبير الذي ملأ ما حوله شعرًا وأدبًا وجمالًا.