ذاكرة وطن مقتطفات بتصرف من : ( الرئيس علي ناصر محمد )
شمسان بوست / عبدالكريم سالم السعدي
(جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية )
(1967– 1990)
الطريق إلى باب المندب :
بعد صدور قرار تعييني محافظا لجزر أرخبيل سقطرى وكوريا موريا وميون وكمران كنت في طريقي إلى مدينة التواهي البحرية لابدأ رحلتي إلى الجزر :
(7)
(جزيرة ميون … بوابة البحر الأحمر وبحر العرب)..
كان الزورق يسير ببطء ، واسماك القرش والدلافين تظهر وتختفي سابحة خلف الزورق وبجانبه ، فيضفي ظهورها بين حين وآخر متعة على الرحلة … وكان القبطان البريطاني يقود المركب غير آبه لما يجري ، لكنه فجأة قرر أن يترك مكانه لمُساعده ، واخرج كاميرا (بولارويد) وأخذ يلتقط لنا الصور الفورية ونحن بملابسنا الرسمية ، البذلة والكرافتة ، كان يمسك بالصورة ويلوّح بها في الهواء حتى تجفّ بسرعة ، فتظهر الصور التي التقطها لنا وهو في غاية السعادة.
(والشمس تجري لمستقرِّ لها * ذلك تقدير العزيز العليم) صدق الله العظيم . وقد بدأت تغوص في قلب البحر خلف باب المندب ، وبدأت بريم تقترب ، وأخذنا نشاهدها أمامنا ، وكذلك منطقة الشيخ سعيد والساحل الأفريقي ، كل شيء جميل في عالم البحار ، ولحظة الوصول أروع شيء فيه ، هاهو (الغزال) يصل إلى ميون أو جزيرة بريم بعد رحلة استغرقت تسع ساعات متواصلة ، هي مزيج من الإعياء الشديد والرغبة في تعرف قطعة منسيّة من أرض الوطن ، والعمل على النهوض بها ، وتوفير حياة لائقة لسكانها ، إنه الهدف الذي خفّف كثيراً من معاناة الرحلة وسط الأمواج المتلاطمة طوال ساعات.
نزلنا إلى الميناء الصغير حيث رسا بنا (الغزال) ، رأيتُ المستقبلين يقفون على الرصيف ، وحرس الشرف يصطف في طابور طويل ، وأعتقد أنهم كانوا جزءاً مما كان يسمى(قوّة بوليس عدن) ، مرة أخرى ، ها هي المراسم المربكة !
قائد الحرس يتقدم نحوي وهو يصيح :
حرس الشرف جاهز للتفتيش سيدي.
تفقدتُ الحرس ، هذه المرة لم ارتبك مثل المرة الأولى ، فقد استفدتُ وتعلمتُ من بعض زملائي في الرحلة كيف أتعامل مع حرس الشرف ، وهكذا تقدمتُ نحوهم بلا ارتباك ، وتلقيتُ منهم التحية ، وصافحتُ المستقبلين ، وفي مقدمتهم محمد عمر عثمان ، مسؤول القيادة المحلية ، وإبراهيم الشبيلي ، والشاعر احمد سيف ثابت وآخرين ، حظينا باستقبال حارّ من أبناء الجزيرة ، ولم يكن عددهم يتجاوز مئتين وخمسين نسمة ، ومعظمهم من الصيادين ، وكان من بينهم موظفون في الإدارة أو محطة تحلية المياه التي بدأ تشييدها في بداية القرن العشرين ، وكانت تقوم بتحلية 60 طناُ من الماء لخزنها في خزانات تتسع ل250 طناً ، وماؤها المُحلّى يسمى في عدن (البمبة) ، وكانت هذه المحطة قد تعطلت وتوقفت قبل وصولنا ، وأُصلِحَت في الصباح ، وشاهدتها تنفث بالدخان المتراكم من مدخنتها ، وبعدها شربنا من مائها العذب وتناولنا الفطور .
كان مدير المراسيم الأستاذ نصر حسن عباس ، قد طلب من الوزراء والمحافظين أن يلبسوا بذلاتهم الرسمية ، وهو ما لا يصلح في جونا الحار ، وعلّمهم كيفية استخدام الشوكة والسكين وغسل اليد في الماء الذي يُقَّدم على الطاولة ، وفيه أجزاء من الورد ، لكنّ البعض ممّن واجهوا ذلك لأول مرة اعتقدوا أنّ ذلك من ضمن أصناف المائدة ، فأكلوا الورد وشربوا الماء ، هنا في جزيرة بريم ، لم نكن في حاجة إلى تطبيق بروتوكول نصر عباس ، فالحياة فيها بسيطة وبعيدة عن ذلك.
نسخة مع التحية للاخ :
د. رشاد العليمي (رئيس المجلس القيادي )
عبدالكريم سالم السعدي
1 سبتمبر 2022م