«أبين» في تاريخ الرحالة اليمنيين والعرب والمسلمين
كتب / أبو عصمي الميسري
(من القرن الثالث حتى العاشر الهجريين/ التاسع حتى السادس عشر الميلاديين)
المبحث الأول
التسمية (1)
سوف نستعرض معكم جانب من تاريخ أبين في سبعمائة عام من القرن الثالث حتى العاشر الميلادي من كل المصادر والمراجع التاريخية اضافة لدراسة هامة للمؤرخ أ. د. طه حسين هُديل([1])
1- [ ملخص البحث ]
يتناول هذا البحث الموسوم بـ: أبين في كتابات الرحالة والجغرافيين في العصر الإسلامي في المدة الزمنية من القرن الثالث وحتى العاشر الهجريين/ التاسع حتى السادس عشر الميلاديين؛ دراسة تاريخية لما دونه الرحالةُ والجغرافيون اليمنيون والعرب والمسلمون عن أبين في المدة موضوع الدراسة، وذلك من خلال مشاهداتهم لأبين، أو ما سمعوا عنها من غيرهم من الرحالة والجغرافيين من معلومات تعد اليوم مادة مهمة لأي باحث في تاريخ أبين بحدودها الجغرافية ومدنها وقراها وجبالها وأوديتها المعروفة في وقتنا الحاضر، علمًا بأن عدم زيارة العديد من الجغرافيين لهذه الجهة واعتمادهم على ما جاء به غيرهم أوقع العدد منهم في إشكالية الخلط في المعلومات، لعدم تأكدهم منها، وهو ما دفعنا إلى دراسة كل هذه الجوانب
2-[ المقدمة]
حظيت أبين بمدنها وقراها التاريخية المعروفة اليوم، بنصيب لا باس به في كتابات المؤرخين اليمنيين وغيرهم من المؤلفين العرب والمسلمين، الذين تركوا لنا مادة تاريخية مهمة لا يمكن الاستغناء عنها عند تدوين تاريخ أبين ومحيطها في العصر الإسلامي، وشكلت تلك المادة العلمية ذخيرة لأي باحث أراد الكتابة عن تاريخ أبين في المدة موضوع الدراسة، علمًا بأنه لا يمكن الخوض في دراسة تاريخ أبين إلا بالعودة إلى تلك المؤلفات والمصادر التاريخية التي تنتشر أخبار أبين بين سطور صفحاتها، لاسيما وأنه من الصعب على أي باحث أن يجد مادة متكاملة عن أبين في جزء من مؤلف واحد أو كتاب خاص بها، مما يدفعنا – اليوم – إلى ضرورة إعادة جمع ما كُتِبَ عن أبين في المصادر التاريخية، لما لقيته من إهمال كبير من قبل المؤرخين اليمنيين، الذين ترك بعضهم مؤلفات كاملة شاملة للعديد من المناطق والمدن اليمنية الأخرى مثل: عدن وحضرموت وصنعاء وزبيد ووصاب وتعز وغيرها، مع إهمالهم وضع كتاب خاص بهذا الجزء المهم من مناطق جنوب الجزيرة العربية، مما يجعلنا أمام تاريخ مجهول لمعظم مناطق أبين ومدنها وقبائلها وسكانها مقارنة بغيرها من المدن اليمنية المذكورة خلال مدة الدراسة.
وعلى الرغم من تنوع الأخبار التاريخية لأبين بين مصادر التاريخ العام والخاص المختلفة، إلا أن كتب الجغرافيا والبلدانيات والرحالات وغيرها تعد من بين أهم المصادر التاريخية التي لا يمكن الاستغناء عنها عند الكتابة عن تاريخ أبين، لما احتوته من مادة تاريخية – وإن كانت بسيطة – سخرها مؤلفوها لذكر أبين، وما جاء عنها وعن موقعها، وعادات أهلها وتقاليدهم، وما اشتهرت به من ثروات، فضلًا عن ذكرهم للمناطق الأخرى التي تدخل اليوم في إطار المساحة الجغرافية لهذه البلاد التي من الصعب ضبط حدودها الجغرافية التاريخية بمنطقة أو مدينة معينة، مما دفعني إلى جمع ما يمكن جمعه عنها كما جاء في وثائق الرحالة والجغرافيين اليمنيين والعرب المسلمين في محاولة للخروج بتصور عن هذه المنطقة وتاريخها في العصر الإسلامي.
ولتحقيق الهدف المنشود قمت بتقسيم هذه الدراسة إلى مقدمة، ومبحثين رئيسين، تناولت في المبحث الأول منها ما جاء من وصف عن موقع أبين ومدنها وتحصيناتها في كتب الرحالة والجغرافيين، وما تناولوه عن تسميتها والمناطق التابعة لها اليوم، وحدودها وتقسيماتها، وأهم حصونها، وخصصت المبحث الثاني لمعرفة أوضاع أبين الاجتماعية والاقتصادية كما تحدث عنها الرحالة والجغرافيون، من حيث طبيعة أهلها وقبائلها وتفرعاتهم القبلية، وعاداتهم وتقاليدهم المختلفة كما وصفها هؤلاء الرحالة والجغرافيون في المدة موضوع الدراسة، وطبيعتها الاقتصادية، وأهم أوديتها ومنتجاتها الزراعية التي اشتهرت بها في ذلك الحين، وأنهيت دراستي هذه بخاتمة لخص من خلالها أهم النتائج والاستنتاجات التي توصلت إليها، وقائمة بأهم المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها الدراسة.
المبحث_الأول
3-[ موقع أبين ومدنها وتحصيناتها في كتب الرحالة والجغرافيين]
وهذا الجانب المهم في معرفة وفهم الحدود التاريخية لأبين واماكن مدنها وحصونها وشرحها شرح مفصل من كتب الرحاله والمؤرخين
ف موقع أبين ومدنها وتحصيناتها في كتب الرحالة والجغرافيين شي هام ومن أهم الأمور التي نحتاجها في الوقت الراهن
تُعَّد كتب الجغرافيا والرحلات من أهم المصادر التي يمكن الاعتماد عليها في كتابة التاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي وغيره، لاحتوائها على معلوماتٍ تاريخيةٍ نادرة قد لا نجدها في غيرها من أمهات المصادر التاريخية المختلفة، وكانت أبين التي ارتبط اسمها عبر التاريخ بعدن من بين اهتمامات المؤرخين الجغرافيين والرحالة الذين اهتموا بالحديث عن طبيعتها الجغرافية والبيئية، وموقعها وحدودها التاريخية المفتوحة التي لم تحدد بمساحة معينة، نتيجة لسعة التسمية، لاسيما وأن أبين لم تكون مدينة بعينها بل منطقة جغرافية واسعة، ضمت بين حدود أراضيها مدن وقرى وأودية وجبال وحصون متعددة، إضافة إلى مناطق وبلاد تدخل اليوم في حدودها مثل دثينة وأحور وغيرها، وقبل الحديث عن كل هذا لابد أولًا من التطرق إلى أصل مصطلح أبين ودثينة وأحور، ومصدره بحسب ما جاء عند هذا النوع من المصادر التاريخية الجغرافية والبلدانية.
أولًا- تسمية أبين:
مما تميزت به كتب الرحالة والجغرافيين والبلدانيين أن مؤلفيها ركزوا عند حديثهم عن أي منطقة أو مدينة على ضبط التسمية، وأصلها وأسبابها ونسبتها، كجانب مهم للتعريف بها، وأبين من المناطق التي فسر بعض الجغرافيين أصل تسميتها، ومن نسبت إليه، وعلى الرغم من أن المؤرخ والجغرافي والنسابة اليمني الهمداني([2])، قد ذكر أبين وتتبع مدنها وقراها، إلا أنه لم يشر إلى أصل التسمية، وإلى من تنسب في كتابه: ((صفة جزيرة العرب)) – وهو من أوائل كتب الجغرافيا التي أشارت إلى أبين وغيرها – ويجتهد هنا المحقق الأستاذ محمد بن علي الأكوع ويشير إلى أنها تنسب إلى أبين بن ذي يقدم بن الصوار بن عبدشمس من حمير، معتمدًا في ذلك – فيما يبدو – على ما جاء به بعض النسابة والجغرافيين المسلمين، أمثال: الهمداني([3]) نفسه في كتابه: “الإكليل”، والبكري([4]) الذي ينسب أبين إلى رجل من وائل بن الغوث من حمير، ويقول في ذلك: ((أبين بن ذي يقدم بن الصوار بن عبد شمس بن وائل بن الغوث)). كما اعتمد الأكوع على بعض المؤلفات التاريخية وكتب التراجم والطبقات التي تطرقت إلى بعض هذه الأمور في أثناء تعريفها لبعض الشخصيات من العلماء والفقهاء الذين ينسبون إلى أبين وغيرها من مناطق جنوب الجزيرة العربية، مثل كتاب: ((طبقات فقهاء اليمن))([5]) الذي يذهب مؤلفه إلى نسب أبين إلى رجل من ولد قحطان دون أن يذكر اسمه، فيقول في ذلك: ((أبين بفتح الهمزة، وهو اسم رجل من ولد قحطان، فسميت البلد به)).
ويورد المؤرخ والجغرافي الزمخشري([6]) معلومة يذكر فيها أن أبين سميت برجل من حمير، دون أن يحدد اسمه، فيقول في ذلك: ((عَدن أبيَن: بلد باليمن نسب إلى أبيَن، وهو رجل من حمير أقام بها، ويقال عَدَن يَبين)).
بينما ينقل بعض الجغرافيين ومنهم ياقوت الحموي([7]) رأيًا أن: أبين يفتح أوله ويكسر بوزن أحمر، ويقال يبين، وذكره سيبويه في الأمثلة بكسر الهمزة، ولا يعرف أهل اليمن غير الفتح، وحكى أبو حاتم قال: سألنا أبا عبيدة كيف تقول عدن أبين أو إبين؟ فقال: أبين وإبين جميعًا، وهو مخلاف باليمن منه عدن، ويشير في موضع آخر إلى أن أبين تنسب إلى شخص يسمى: أبين بن زهير، ويعيد نسبه إلى حمير بن سبأ([8])، الذي يقول في تعريفه لسبب التسمية: ((سمي بأبين بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ)). ويذكر في موضع آخر نقلًا عن الطبري أن عدن وأبين أبناء عدنان بن أدد([9]). ويضيف أيضًا أن: ((أبين اسم رجل نسبت إليه عدن إبين))([10]).
ويقدم الجغرافي الحميري([11]) معلومات يشير فيها إلى أن أبين تنسب إلى رجل دون أن يحدد اسمه، ويقول في ذلك: ((أبين باليمن، قيل فيه بكسر الألف وفتحها، وهو اسم رجل في الزمن القديم إليه تنسب عدن أبين من بلاد اليمن، وبينها وبين عدن اثنا عشر ميلًا)).
كما اهتمت كتب الجغرافيين في العصر الإسلامي بمنطقة دثينة التي تدخل اليوم في الإطار الجغرافي لأبين، فأطلق عليها الزمخشري([12]) اسم الدثينة والدفينة، مشيرًا إلى أنها منزل لبني سليم، ويقول عنها ياقوت الحموي([13]): ((دثين بفتح أوله وكسر ثانية، وياء مثناة من تحت، وآخره نون، اسم جبل، يقال دثن الطائر تدثينًا))، أي أسرع في طيرانه في السماء وسقط في مواضع متقاربة، فيقال لها دثين. وشكلت تلك المنطقة أحد الهضاب التي حظيت باهتمام الشعراء وغيرهم، يقول الشاعر الكلابي فيها:
سقى اللهُ ما بين الشطونِ وغمرة ** وبئرَ دريراتٍ وهضبَ دثينِونصل هنا إلى خلاصة، أنه على الرغم من اختلاف المصادر الجغرافية حول أصل التسمية لأبين وبعض المناطق التابعة لها؛ إلا أن أصل التسمية تعود لرجل تعددت الروايات حوله، واختلفت كتب الجغرافيا في جذوره القبلية والأسرية
في الباب الثاني سنتعرف على حدود وجغرافية ومدن أبين وماذا يقول عنها الهمداني وياقوت الحموي والزمخشري…
ابو عصمي الميسري