وما أدراك ما ليلة القدر !!!
كتب / د. سعيد سالم الحرباجي
إنها ليلة القدر ،،
وما أدراك ما ليلة القدر ؟!!
ليلة من العظمة ، والمكانة ، والقدر بحيث أنها تفوق حقيقتها حدود الإدراك البشري ..
فهي ليلة عظيمة باختيار الله لها لبدء تنزيل هذا القرآن ، وإفاضة هذا النور على الوجود كله، وإسباغ السلام الذي فاض من روح الله على الضمير البشري والحياة الإنسانية، وبما تضمنه هذا القرآن من عقيدة وتصور وشريعة وآداب تشيع السلام في الأرض والضمير . وتنزيل الملائكة وجبريل – عليه السلام – خاصة، بإذن ربهم، ومعهم هذا القرآن – باعتبار جنسه الذي نزل في هذه الليلة – وانتشارهم فيما بين السماء والأرض في هذا المهرجان الكوني، الذي تصوره كلمات السورة تصويرا عجيبا..
إننا حين ننظر اليوم من وراء تلك الأجيال المتطاولة إلى تلك الليلة العظيمة ، ونتدبر حقيقة الأمر الذي تم فيها، ونتملى آثاره المتطاولة في مراحل الزمان، وفي واقع الأرض، وفي تصورات القلوب والعقول.. فإننا نرى أمرا عظيما حقا. وندرك طرفا من مغزى هذه الإشارة القرآنية إلى تلك الليلة (وما أدراك ما ليلة القدر؟ )
لقد فرق فيها من كل أمر حكيم. وقد وضعت فيها من قيم وأسس وموازين. وقد قررت فيها من أقدار أكبر من أقدار الأفراد….
أقدار أمم ودول وشعوب ،بل أكثر وأعظم.. أقدار حقائق وأوضاع وقلوب،،
ولقد تغفل البشرية – لجهالتها ونكد طالعها – عن قدر ليلة القدر. وعن حقيقة ذلك الحدث، وعظمة هذا الأمر …..وهي منذ أن جهلت هذا وأغفلته فقدت أسعد وأجمل آلاء الله عليها، وخسرت السعادة والسلام الحقيقي – سلام الضمير وسلام البيت وسلام المجتمع – الذي وهبها إياه الإسلام. ولم يعوضها عما فقدت ما فتح عليها من أبواب كل شيء من المادة والحضارة والعمارة.
فهي شقية…..شقية على الرغم من فيض الإنتاج وتوافر وسائل المعاش ، !لقد انطفأ النور الجميل الذي أشرق في روحها مرة، وانطمست الفرحة الوضيئة التي رفت بها وانطلقت إلى الملإ الأعلى، وغاب السلام الذي فاض على الأرواح والقلوب ، فلم يعوضها شيء عن فرحة الروح ونور السماء !!!
إننا كمؤمنين مأمورون أن لا ننسى ولا نغفل هذه الذكرى وقد جعل لنا نبينا – صلى الله عليه وسلم – سبيلا هينا لينا لاستحياء هذه الذكرى في أرواحنا لتظل موصولة بها أبدا، موصولة كذلك بالحدث الكوني الذي كان فيها وهو نزول القرآن .
وقد ندبنا الرسول الكريم أن نحيي هذه الليلة وذلك ليكون هذا القيام استحياء للمعاني الكبيرة التي اشتملت عليها هذه الليلة “إيمانا ” وليكون تجردا لله وخلوصا “واحتسابا”.. ومن ثم تنبض في القلب حقيقة معينة بهذا القيام ، ترتبط بذلك المعنى الذي نزل به القرآن الكريم. ( الٓر * كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ )
وهكذا هي طبيعة المنهج الإسلامي …
يربط بين العبادة وحقائق العقيدة في الضمير، ويجعل العبادة وسيلة لاستحياء هذه الحقائق وإيضاحها وتثبيتها في صورة حية تتخلل المشاعر ولا تقف عند حدود التفكير.
وقد ثبت أن هذا المنهج وحده هو أصلح المناهج لإحياء هذه الحقائق ومنحها الحركة في عالم الضمير وعالم السلوك. وأن الإدراك النظري وحده لهذه الحقائق بدون مساندة العبادة، وعن غير طريقها، لا يقر هذه الحقائق، ولا يحركها حركة دافعة في حياة الفرد ولا في حياة الجماعة..وهذا الربط بين ذكرى ليلة القدر وبين القيام فيها إيمانا واحتسابا، هو طرف من هذا المنهج الإسلامي الناجح القويم.