مقالات

آية ومعنى ،،،( فلما أسلما وتله للجبين ) ،،

شمسان بوست / د. سعيد الحرباجي

هكذا يمضي سياق الأ ية ليكشف عن  نبل الطاعة ، وعظمة الإيمان ، وطمأنينة الرضى وراء كل ما تعارف عليه بنو الإنسان . . 
إنه ليمضي فيكب ابنه على جبينه استعداداً  للذبح ،  وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعاً ، وقد وصل الأمر إلى أن يكون عياناً . 
لقد أسلما فهذا هو الإسلام …
هذا هو الإسلام في حقيقته …..ثقة وطاعة وطمأنينة ورضى وتسليم ،  وتنفيذ ،،
وكلاهما لا يجد في نفسه إلا هذه المشاعر التي لا يصنعها غير الإيمان العظيم . 
إنها ليست الشجاعة والجراءة ،  وليس الاندفاع والحماسة …
فلقد  يندفع المجاهد في الميدان ، يقتل و يقتل ،  ولقد يندفع الفدائي وهو يعلم أنه قد لا يعود . ولكن هذا كله شيء والذي يصنعه إبراهيم وإسماعيل هنا شيء آخر تماماً …..
ليس هنا دم فائر ، ولا حماسة دافعة ،ولا اندفاع في عجلة تخفي وراءها الخوف من الضعف والنكوص  !!!
كلٌَا  ….. إنما هو الاستسلام الواعي المتعقل القاصد المريد ، العارف بما يفعل ، المطمئن لما يكون . لا بل هنا الرضى الهادى ء المستبشر المتذوق للطاعة وطعمها الجميل !!!
وهنا كان إبراهيم وإسماعيل قد أديا  ، كان قد أسلما ،  كانا قد حققا الأمر والتكليف …
والولد مُكب على قفا ، والسكينة بيدي الوالد أخذ يمررها على عنقه !!!
ولم يكن باقياً إلا أن يُذبح إسماعيل ، ويسيل دمه ، وتزهق روحه …
وهذا أمر لا يعني شيئاً في ميزان الله ، بعدما وضع إبراهيم وإسماعيل في هذا الميزان من روحهما وعزمهما ومشاعرهما كل ما أراده منهما ربهما .
فالابتلاء قد تم ،  والامتحان قد وقع ،  ونتائجه قد ظهرت ، وغاياته قد تحققت …..
ولم يعد إلا الألم البدني ، والدم المسفوح ، والجسد الذبيح ….
ولإنٌَ الله لا يريد أن يعذب عباده بالابتلاء ،  ولا يريد دماءهم وأجسادهم في شيء .
فمتى ما أخلصوا له واستعدوا للأداء بكلياتهم فقد أدوا ، وقد حققوا التكليف ، وقد جازوا الامتحان بنجاح .

لذلك أنزل الله مباشرة والحدث لا يزال مستمراً  …( وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا . إنا كذلك نجزي المحسنين . إن هذا لهو البلاء المبين . وفديناه بذبح عظيم ) . . 
قد صدقت الرؤيا وحققتها فعلاً .
فالله لا يريد إلا الإسلام والاستسلام بحيث لا يبقى في النفس ما تكنه عن الله أو تعزه عن أمره أو تحتفظ به دونه ، ولو كان هو الابن فلذة الكبد ،  ولو كانت هي النفس والحياة ، وأنت – يا إبراهيم – قد فعلت …
جدت بكل شيء ،  وبأعز شيء ،  وجدت به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين ،  فلم يبق إلا اللحم والدم  …
وهذا ينوب عنه ذبح ، أي ذبح من دم ولحم ! ويفدي الله هذه النفس التي أسلمت وأدت … يفديها بذبح عظيم ، قيل : إنه كبش وجده إبراهيم مهيأ بفعل ربه وإرادته ليذبحه بدلاً من إسماعيل ! 
وقيل له : ( إنا كذلك نجزي المحسنين ) . . نجزيهم باختيارهم لمثل هذا البلاء ، ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء ،  ونجزيهم بإقدارهم وإصبارهم على الأداء ،  ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء !!

د. سعيد الحرباجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار