من أجل البقاء…
مقال أ. عوض المجعلي
في العام 2015، اجتاحت قوات الحوثي المحافظات الجنوبية بهدف السيطرة وجر البلاد نحو أتون حرب مفتوحة لا تعرف نهاية. وجد المواطنون في تلك المناطق أنفسهم وسط فراغٍ سياسي وأمني خانق، ومعه انقطع نبض الحياة، وضاقت سبل العيش حتى لم يبقَ لهم خيار سوى المقاومة، لا طلبًا للمجد، بل دفاعًا عن الحقّ في البقاء.
فُقد في تلك المرحلة شيئان لا تقوم الحياة من دونهما: الأمن الذي حلّ محله الخوف على النفس والمال والعِرض، والغذاء والمال، مما أدى إلى تفشي الأمراض، وظهور شبح المجاعة في كل زاوية. حينها، تشكّلت نواة المقاومة من شباب وشيوخ ورجال انطلقوا من كل مديرية، لا يملكون سوى إرادتهم وبعض ما التقطوه من سلاح إثر انفجار مخازن جبل حديد. ورغم قلة العتاد وشدة الظروف، انتصرت الإرادة وسُمِع صوت الكرامة في وجه الموت.
لكن ما كاد الناس يستبشرون بانتهاء مرحلة الألم، حتى عاد الخوف يخيّم مجددًا، ليس من مدافع العدو، بل من غياب أبسط مقومات الحياة. فالمواطن اليوم لا يجد دواءً ولا ماءً ولا كهرباء، وحقوقه أصبحت وعودًا مؤجلة. وبحسب التقارير الدولية، يعيش نحو 18 مليون يمني – أي 63% من السكان – تحت خط الفقر، فيما 43% منهم يصارعون للبقاء بعدما باعوا كل ما يملكون.
الإنسان، بفطرته، لا يقبل ما يهدد وجوده. وهذا ما أكده “ماسلو” في نظريته عن هرم الاحتياجات، حيث تبدأ الحياة بالحاجة إلى الغذاء والماء والمأوى، وإن لم تُلبَّ هذه الاحتياجات الأساسية، فإن مرحلة الانهيار ستكون حتمية. في تلك اللحظة، يفقد الإنسان خوفه من السلطة والرموز، ويتحول إلى كائن يبحث فقط عن النجاة.
وحين يصل الناس إلى قناعة أن الحياة والموت سواء، فلن ينفع حينها خطاب، ولن يحمي أحدًا منصب أو حصن، ولن يسلم من الغضب أحد. فهذه سنن الحياة، والأقدار لا تستأذن أحدًا.
دعونا من التبرير والتنظير، فالحياة سَلَف ودَين، وما من بقاء لظالم أو فاسد أو مستبد. والتاريخ علّمنا أن الشعوب إذا جاعت وثارت، فإنها تكتب نهايات الطغاة، وتصنع بدايات جديدة، مهما طال الظلام.