مقالات

بين الإعلام والسلطة: نحو المؤسسية لا الفردية

واتساب انضم إلى قناتنا على واتساب

كتب / عوض المجعلي:

لا أحد ينكر الدور المحوري الذي لعبه الإعلام في دفع عجلة الإصلاح، بدءًا من كشف الخلل في أحداث حضرموت، وصولًا إلى تسليط الضوء على معاناة المواطنين، مما أجبر القائمين على الملف اليمني على إظهار الحقائق للعلن. وقد أسهم هذا الحراك الإعلامي في تعافي العملة، وتحقيق بعض الإصلاحات الاقتصادية، وتحسن نسبي في مستوى الخدمات.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
1. البرامج الإعلامية الناقدة بذكاء وسخرية، مثل برنامج كبربر، الذي لم يكتفِ بتشخيص الوضع، بل طالب بتفعيل المؤسسات والإدارات الحكومية، وانتقد ضعف أداء بعض القيادات المدنية والعسكرية.
2. المنصات والمؤسسات الإعلامية الحرة، من قنوات وصحف ومواقع ومنصات تواصل اجتماعي، التي نشطت بفاعلية في تحليل الأوضاع، واقتراح الحلول، ونقل معاناة الشعب – أفرادًا وجماعات – منذ ما بعد 2015، كما كشفت الظواهر السلبية وسلطت الضوء على النماذج الإيجابية.
3. الشرفاء من أبناء الوطن، من صغار الموظفين إلى كبار المسؤولين، الذين يعملون بصمت وإخلاص بعيدًا عن الأضواء، مؤمنين بأن التغيير يبدأ من داخل المؤسسات وبالعمل الصادق.
4. المواطنون الأحرار، الذين مارسوا حقهم في المطالبة السلمية والاحتجاج المشروع، دون أن يضروا بالوطن أو إنجازاته، فكانوا نواة الوعي، وصوت الضمير الحي.
5. الأحزاب السياسية الوطنية الواعية، التي لم تتهالك على السلطة، ولم تذبل في مستنقع المصالح، بل استمرت في معارضة بنّاءة هدفها الإصلاح والتصحيح، لا المعاندة من أجل المكاسب.
6. القيادات العسكرية والأمنية الشريفة، التي صمدت في ميادين الشرف والبطولة، دفاعًا عن الوطن، وحماية لأمنه وثرواته وسيادته، تحت مظلة الشرعية والدستور.
إن هذه المواقف النبيلة لم تصنعها المناصب أو الأموال، بل غُرست جذورها في الولاء لله، ثم للوطن، وفي قيم الثورة، ودماء الشهداء الذين ضحوا من أجل أن نحيا بحرية وكرامة ورفاهية.
ولا شك أن هذه الجهود تستحق التحية والتقدير والامتنان، فهي تجسد القدوة الوطنية الصادقة في زمن التحديات.
لكن مع ذلك، فإن ما نود التأكيد عليه – وبشدة – هو ضرورة الفصل بين السلطات والصلاحيات، والتمسك باللوائح والأنظمة والدستور. فليس من المقبول أن تتحول “السلطة الرابعة” إلى سلطة أولى، أو أن يُختزل النظام كله في شخص أو جهة بعينها.
إن تفعيل مؤسسات الدولة من أعلى الهرم إلى قاعدته، وقيام كل مسؤول بواجباته ومعرفته بحدود صلاحياته، يمثل حجر الزاوية في أي مشروع إصلاحي ناجح. فغياب المؤسسية يؤدي إلى نمو أمراض خطيرة، مثل: النرجسية، والأنانية، وشعارات “أنا الدولة” و”حقي وحدي”، وهي مفاهيم خطيرة تقوّض الدولة وتفرّغها من مضمونها.

لذا، المطلوب اليوم:
تعزيز العمل المؤسسي بدلًا من الحكم الفردي.
تقليص المركزية المفرطة، وإشراك الجميع في القرار.
ضمان الشفافية والمساءلة، حتى يشعر الجميع أنهم في ظل دولة حقيقية تحكمها القوانين والمؤسسات، لا الأفراد.
هكذا فقط، يمكننا بناء وطن يحكمه القانون، ويحتضن الجميع بعدالة وإنصاف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار