صحة

النفايات النسيجية.. خطر خفي يهدد البيئة وصحة الإنسان

واتساب انضم إلى قناتنا على واتساب

شمسان بوست / متابعات:

ملابس مستعملة معروضة للبيع في سوق ماساي في غوروجورو، كينيا
أكياس البلاستيك السوداء والملابس المهملة في المكبات ليست مجرد منظر مزعج، بل تمثل أزمة بيئية وصحية متنامية ناجمة عن استهلاك الملابس السريعة “Fast Fashion” .

هذا النموذج الصناعي الذي يروج للشراء المتكرر والموضة العابرة يحوّل الملابس إلى سلع قابلة للرمي بعد ارتداء مرات قليلة، مما يزيد من حجم النفايات بسرعة غير مسبوقة.


ومع تراكم ملايين الأطنان من الملابس سنويًا في المكبات، تتجلى المخاطر ليس فقط على البيئة، بل على صحة الإنسان أيضًا.

غالبًا ما تنتهي نفايات المنسوجات في أكوام القمامة
الملابس السريعة وأزمة النفايات


تشتهر صناعة الملابس السريعة بالإنتاج الضخم، التكاليف المنخفضة، والتحديث المستمر للصيحات.

هذه السرعة تحوّل الملابس إلى سلع مؤقتة، تُرمى بسرعة بعد الاستخدام، وتضيف عبئًا هائلًا على نظام إدارة النفايات.


المواد الصناعية مثل البوليستر والنايلون والاكريليك لا تتحلل أبدًا تقريبًا، ما يجعلها باقية في المكبات لمئات السنين، بينما الملابس القطنية التقليدية تتحلل ببطء شديد بسبب نقص الأكسجين في المكبات ووجود المواد الكيميائية في الصبغات والتشطيبات.

القطن التقليدي وتأثيره على الصحة


رغم أنه طبيعي، فإن القطن التقليدي يستهلك كميات هائلة من المياه ويعتمد على مبيدات حشرية ضارة.

هذه المواد يمكن أن تلوث التربة والمياه الجوفية، مسببة مخاطر صحية للعمال المحليين والسكان المحيطين.

وعند دفن الملابس القطنية المصبوغة أو المعالجة كيميائيًا في المكبات، يمكن أن تتسرب هذه المواد إلى البيئة عبر سائلات المكبات السامة، ما يزيد من الضرر البيئي والصحي على حد سواء.

كيف تؤذي الألياف الصناعية كوكبنا دون أن نشعر؟
الألياف الصناعية والميكروبلاستيك


الألياف الصناعية مثل البوليستر والنايلون تتحلل ببطء شديد، وتتحول إلى ميكروبلاستيك يمكن أن يدخل السلسلة الغذائية ويصل إلى الإنسان.

هذه الجزيئات الدقيقة تحمل سمومًا وتستقر في الأعضاء الحيوية، ما يثير قلق العلماء حول آثارها الصحية طويلة المدى.

حتى في المكبات، يمكن أن تنكسر هذه الألياف إلى جزيئات أصغر، ما يزيد من احتمالية انتشار الميكروبلاستيك في البيئة المحيطة.

البوليستر
التحديات في إعادة التدوير


معظم الملابس اليوم مصنوعة من ألياف مختلطة، ما يجعل عملية إعادة التدوير معقدة وصعبة تقنيًا واقتصاديًا.

إضافة إلى ذلك، الصبغات والمواد الكيميائية في الملابس قد تقلل جودة الألياف المعاد تدويرها أو تتطلب عمليات طاقة عالية وملوثة لإزالتها.

البنية التحتية لإعادة التدوير في العديد من الدول غير كافية، مما يؤدي إلى دفن الملابس في المكبات حتى لو كانت قابلة للتدوير نظريًا.

تقطيع الملابس قطع صغيرة لتحويلها إلى سماد
المواد الحيوية والتسويق الأخضر


ظهرت في السنوات الأخيرة مواد قابلة للتحلل وملابس مصنوعة من نفايات زراعية.

إلا أن الواقع غالبًا أكثر تعقيدًا: كثير من الملابس المسماة “bio” تحتوي على نسبة صغيرة من المواد الحيوية والباقي صناعي، ولا تتحلل في المكبات بسبب الظروف غير المثالية للتحلل.

هذه الممارسات التسويقية المضللة، المعروفة بـ”Greenwashing”، تخدع المستهلك وتبعده عن خيارات إعادة الاستخدام أو التبرع، ما يزيد تراكم النفايات.

إضافة المكونات الخضراء وقصاصات الأشجار للنفايات قبل تحويل الملابس لسماد
الحلول الممكنة


معالجة أزمة نفايات الملابس تتطلب مجهودًا متعدد المستويات:


الماركات: تصميم الملابس لتدوم أطول، استخدام مواد آمنة وقابلة لإعادة التدوير، وتبني برامج الاسترجاع وإعادة التدوير الدائري.


المستهلكون: الشراء الواعي، اختيار الجودة على الكمية، العناية بالملابس، واستخدام خيارات مستدامة مثل الملابس المستعملة أو التأجير.


السياسات: تطبيق برامج المسؤولية الممتدة للمنتج، الاستثمار في البنية التحتية لإعادة التدوير، ومراقبة الإعلانات البيئية لمنع التضليل.


المبتكرون: تطوير تقنيات لإعادة تدوير الملابس المختلطة وابتكار مواد مستدامة حقيقية.


الهدف النهائي: الانتقال إلى اقتصاد دائري في الموضة يحافظ على الملابس أطول فترة ممكنة ويقلل الاعتماد على المكبات.
سوق الملابس المستعملة
التحديات والسياسات


إن التغيير الهيكلي في صناعة الملابس يتطلب سياسات قوية، مثل حظر دفن الملابس القابلة لإعادة التدوير، أو فرض معايير تصميم للدوام وإعادة الاستخدام.

كذلك، يثير الاقتصاد الدائري قضايا اجتماعية واقتصادية، حيث يمكن أن يخلق وظائف جديدة في قطاع إعادة التدوير والإصلاح، لكنه قد يؤثر على وظائف الإنتاج التقليدية في الدول المعتمدة على الملابس السريعة.

خاتمة


الأزمة ليست مجرد تراكم للملابس في المكبات، بل انعكاس لنمط استهلاك عالمي سريع، يُهمل الموارد والبيئة والصحة.

من القطن التقليدي الملوث بالمبيدات، إلى الألياف الصناعية المسببة للميكروبلاستيك، تمثل الموضة السريعة تحديًا بيئيًا وصحيًا.

الحل يتطلب وعي المستهلك، مسؤولية الماركات، ودعم السياسات العامة، جنبًا إلى جنب مع الابتكار في المواد والبنية التحتية لإعادة التدوير.

المستقبل الصحي والبيئي للموضة يعتمد على قراراتنا اليوم في ما نشتري، وكيف نستهلك، وكيف نعيد استخدام ما نملكه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار