القات يسرق الغذاء من أفواه اليمنيين ويغرق البلاد في أزمة

شمسان بوست / خاص:
تشهد مناطق واسعة في اليمن تحولًا لافتًا في النشاط الزراعي، مع تمدد زراعة القات على حساب المحاصيل الغذائية الأساسية، في وقت تتفاقم فيه البطالة وتتراجع فرص العيش الكريم. هذا التحول لم يقتصر على تغيير طبيعة الزراعة فحسب، بل أعاد تشكيل سوق العمل، ودفع آلاف الأطفال والمراهقين إلى ترك مقاعد الدراسة والانخراط في أعمال شاقة داخل الحقول.
خلال الأعوام الأخيرة، اتسعت المساحات المزروعة بالقات في عدد من المحافظات، لتصبح هذه النبتة النشاط الزراعي الأكثر ربحًا والأسرع دورانًا للأموال. ومع هذا التوسع، نشأت منظومة واسعة من العمالة اليومية، تعتمد بشكل كبير على صغار السن الذين يعملون في قطف الأوراق ونقلها وتجهيزها للأسواق المحلية.
وتبدأ رحلة هؤلاء الأطفال منذ ساعات الفجر الأولى، حيث يتم تجميعهم في نقاط محددة قبل نقلهم إلى المزارع، ليعملوا لساعات طويلة مقابل دخل محدود بالكاد يغطي احتياجاتهم الأساسية. كثير منهم لا يحصل على أجر نقدي فقط، بل يتقاضى أيضًا كمية من القات يعيد بيعها لتعويض ضعف الدخل، ما يرسخ ارتباطه المبكر بهذه التجارة.
ورغم أن تجارة القات تضخ سيولة مالية ضخمة في الأسواق، إلا أن خبراء يؤكدون أن هذا النشاط لا يخلق قيمة اقتصادية حقيقية، بل يسحب الموارد البشرية والطبيعية من القطاعات الإنتاجية الحيوية. فالأراضي التي كانت تزرع بالقمح والذرة والخضروات تحولت إلى حقول قات، الأمر الذي فاقم أزمة الغذاء ورفع كلفة المعيشة على الأسر اليمنية.
كما أدى هذا التوسع إلى تدهور بيئي متسارع، نتيجة الاستهلاك الكبير للمياه الجوفية، وتراجع خصوبة التربة، وزيادة معدلات التصحر، في بلد يعاني أصلًا من شح شديد في الموارد المائية. ويضاف إلى ذلك استنزاف ملايين الريالات يوميًا في شراء القات، بدل توجيهها نحو الغذاء أو التعليم أو الرعاية الصحية.
على المستوى الاجتماعي، أسهمت هذه الظاهرة في تفاقم مشكلة التسرب المدرسي، إذ بات كثير من الأطفال يفضلون العمل اليومي في حقول القات على الاستمرار في الدراسة، في ظل ضغوط الفقر وغياب الدعم الحكومي. ومع مرور الوقت، يتحول هذا الخيار المؤقت إلى مسار دائم يحرمهم من فرص مستقبلية أفضل.
ويرى مختصون أن القات أصبح جزءًا من تشوهات الاقتصاد اليمني، حيث تتركز الأموال والعمالة في نشاط سريع الربح لكنه غير منتج، بينما تتراجع القطاعات التي يمكن أن توفر وظائف مستقرة وتحقق أمنًا غذائيًا وتنمية حقيقية.
وفي ظل استمرار هذا الواقع، يبدو أن القات لا يكتفي بالسيطرة على الحقول، بل يزحف أيضًا على مستقبل الأجيال القادمة، مهددًا بتحويل الأزمة الاقتصادية الحالية إلى أزمة بنيوية طويلة الأمد، ما لم تُتخذ خطوات جادة لإعادة توجيه الزراعة وسوق العمل نحو مسار أكثر استدامة.



